اعتياد الوحدة ليس بالأمر الهين ...
اعتياد سماع صوت أنفاسي تتردد في صمت البيت فلا يعود لي صداها هي حالة صعب التعايش معها...
لكنني شئت أم أبيت ليس لي إلا القبول والاستسلام...
سنوات عمري التي تخطت السبعين صارت عبئاَ ثقيلاً على عقلي.
فكم من الذكريات في هذه السنون أضحت تهاجمني كل يوم وخاصة إذا اكتحلت السماء بسواد الليل الموحش.
لا أحب الليل...قديماً كنت أحبه ويروقني الجلوس معها هنا على الأريكة نتسامر ونتذكر أيام الصبا، نشكو جفاء الأحبة وبعد الأبناء وغربة الأيام...
تواسيني وأواسيها ونتكأ على بعضنا لتمر الساعات والأيام في انتظار ساعة القدر...
أحياناً كانت تُعد لي كوباً من الشاي أو الحلبة ... كل ما تصنعه جميل ... أقصد كل ماكانت تصنعه
لازلت أتشمم بقايا ريحها على سريرنا قبل النوم، وأوهم نفسي انها بجانبي وقد سبقتني كعادتها لعالم الأحلام...
لكن صوت أنفاسي الذي صار لا يعانق صوت أنفاسها كان يخبرني بأنها ليست هنا... وبأنني صرت وحيداً.
أبقى ليلي أو أغلبه ناظراً لسقف الغرفة، وكأنني في انتظار قدري أن يأتي ليأخذني هناك حيث تكون الآن، لكن يمضي الليل وتأتي شمس النهار وتتسلل من فتحات شباك غرفتنا لتوقظني وأبداً رحلة يومٍ جديدٍ بدونها...
اليوم سأصنع طعاماً كانت تحبه من يدي، وسأعد لها طبقاً وملعقة وربما بعض العصير، يمضي الوقت والطعام صامت أمامي يحملق في وكأنه في انتظار خطوتي القادمة...
أقوم بعد أنا أكون أكلت من طعامي البارد الشيء اليسير، أكل فقط لأعيش وأتحرك فأنا أؤمن بقدري ولكن لا أسعى إليه.
صدقوني إن قلت أني أحياناً أسمع صوتها تناديني ... كم كنت أحبها حين تغضب مني ثم كيف كانت تبتسم حين أصالحها...
لعلكم تسألوني إن كنا قد صرنا أباً وأماً وأقول لكم بل صرنا جداً وجدة كذلك، لكن الجميع أخذته أيامه بعيداً وراح يلهث وراء ما يلهث وراءه الباقون... وراء ما لهثت أن يوماً وراءه.
يأتونني مرة في الأسبوع، أو ربما لا يأتون وأنا رغم وحدتي أتقبل منهم أعذاراَ وحجج وأقولهم لعلهم كذا وكذا...
وفي العيد الماضي لم يأتوني على الغذاء كعادتهم...آتوني بعد أن مضت شمس النهار متأهبة لرحلة الغروب، لعلهم ذهبوا بأبناءهم في نزهة أو زيارة، فما الداعي للغذاء وقد ذهبت من كانت تصنعه، لكنهم لم يروني وأن ألملم بقايا ذكرياتي من على الطاولة مع الطعام الذي صنعته من أجلهم... ثم جلس الطعام صامتاً كعادته...
هي إذن كانت مثل عامود خيمة في مهب الريح، بقت الخيمة طالما بقى عمودها صامداً مقاوماً، فلما خارت قواه وذهب، طارت الخيمة وبقى مكانها وآثار من كانوا فيها.
أنا لا أبث لكم شكواي فأنني أعلم أن هكذا تكون الحياة، صباح فمساء، فرح ثم طرح، حبيب ننعم بقربه وبعدها نكتوي بنار رحيله...
لقد أتعبني الكلام وأرهق فؤادي المعتل، سامحوني إن تركت لكم سطوري لتقرأوها وحدكم...
أما أنا فلعلني أرحل اليلة أو غداً إليها...
تعليقات