التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الصفحة المطوية : الحلقة السادسة... صيد العصافير

 الصفحة المطوية : الحلقة السادسة
صيد العصافير!

"الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات"

لم يبدو على تلك الغرفة أن الشمس أو الهواء النظيف قد دخلاها من قبل، ناهيك عن الرائحة التي توحي إليك أن ذلك الكائن الملقى على سريره مجرد جثة هامدة...ولولا صوت أنفاسه التي كانت توحي أنه يعاني كابوس ثقيل جاثم على صدره بينما وجه يتصبب عرقاً...


فجأة صوت خبط عنيف وسريع على الباب....قام ذلك الكائن الذي لم تظهر ملامحه بسبب الظلام مفزوعاً وتسمر في مكانه ولم يتحرك...
علا صوت الخبط أكثر مع صوت أجش يصرخ من الخارج:
-    افتح الباب!
قبل أن يفكر في أي حركة كان الباب ينكسر ويدخل مجموعة من الأشخاص الذين اندفعوا نحو هذا الكائن الذي علا صراخه:
-    سيبوني ..سيبوني ...أنا معملتش حاجة ...سيبوني...
وفجأة...
شهق سعيد شهقة قوية وهو يقوم مفزوعاً من نومه هذا الكابوس الرهيب الذي عاشه، كان ينظر حوله في أرجاء غرفته المظلمة ليتأكد أن كل ما رآه كان مجرد كابوس!
تنهد بقوة وهو يعود ليمدد جسده على سريره وما أن استقر نائماً حتى على صوت دقات سريعة على الباب...
هذه المرة لم يكن يحلم بل كان حقيقة...بلع ريقه بصعوبة بالغة واقترب من الباب في بطء...عاد الخبط على الباب بإصرار أكثر...
حاول سعيد أن يتماسك وأخرج صوته بصعوبة:
-    مين؟
-    أنا شبورة..افتح بسرعة!


دخل شبورة مندفع للغرفة وأقفل بابها خلفه بينما سيد ينظر إليه بعصبية بالغة...
-    في إيه يا شبورة...أنت خلصت على البت وجاي لي على هنا...انت عاوز تودينا في داهية ...إحنا مش قولنا نكن على بال مالبوليس يهمد شوية...
-    أكتم...أنا مهببتش حاجة...أنا رحت لقيت البوليس عند البت...وشكلهم كده عرفوه عننا حاجة!
-    أنت بتقول إيه؟ طب طب إنت عرفت منين أنهم عرفوه عننا حاجة؟


 لم يرد شبورة بل أخرج الموبايل وبدا وكأنه سيجري مكالمة...إلا أنه توقف فجأة وسأل سعيد:
-    الواد كرمللة كلمك؟
-    كرمللة...لا...تلاقيه شاف له حتة إدارى فيها...طب إحنا هنستنى إيه لازم نخفى من هنا بسرعة.
-    مهو ده اللي كنت جاي أقولهولك...أي واحد هيقع فيها يعني كلنا هنتقفش...
-    تلاقيهم كمان هيقلبوا الدينا عشان الظابط اللي انت قتلته


لم يكمل جملته بعد أن رمقه شبورة بنظرة نارية، فبدا مرتبكاً وهو يقول:
-    أنا أقصد يعني إننا لازم نهرب من هنا بسرعة...إنشالله نهج بره البلد كلها...يعني إحنا لنا إيه فيها!


ظل شبورة ينظر إليه بغضب ثم التفت واتجه نحو الباب، لحقه سعيد متسائلاً بقلق:
-    انت هتروح فين يا شبورة ... مش تقولي هنعمل إيه؟!


التفت إليه شبورة وقال بحدة:
-    مفيش هنعمل إيه...كل واحد يشوف سكته وحسك عينيك تفتح بقك بكلمة لأي مخلوق...


لم يرد سعيد واكتفى بالنظر لشبورة الذي اتجه نحو الباب وفتحه خارجاً وما أن فتح الباب حتى وجد أمامه وجه عرفه شبورة جيداً...النقيب أسامة!
لم تفلح كل محاولات محمود للنوم، فعاد للنظر في سقف غرفته وقد شرد بعيداً...
دخلت أمه الغرفة واتجهت نحوه بهدوء وقالت وهي تربت على كتفه:
-    محمود ...قوم يا بني سامح صاحبك على التليفون وبيقول عاوزك ضروري...
قام محمود واتجه مسرعاً نحو الهاتف الذي يقبع على منضدة صغيرة في الصالة...
-    أيوه يا سامح...خير
-    أنا رايح القسم يا محمود، بعتوه يستدعوني دلوقتي...الظاهر في حاجة جديدة
-    طب أجيلك
-    لا لا...مفيش داعي تظهر انت خالص...أنا لما أخلص هكلمك
أغلق محمود الهاتف وجلس على كرسي بجوار المضدة الصغيرة في صمت


نظرت له أمه وقد شعرت بالقلق وقالت:
-    خير يا ابني..في ايه؟ هو سامح قالك حاجة ضايقتك؟


نظر سامح لأمه وقد رأى عليها القلق والحيرة وهي تنتظر أن تسمع منه جواباً، كان يشعر بالشفقة على أمه وهي تراه هكذا كل يوم، كانت تظن أن كل ذلك بسبب خطوبة لمياء..."أه لو تعرفي الحقيقة" تنهد عندما وصل تفكيره لهذه النقطة واصطنع ابتسامة جاءت باهتة رغماً عنه وهو يقول لأمه:


-    اطمني ده بس كان بيقولي أنه رايح يقابل الراجل بتاع الشركة عشان يوصيه عليه...


لم ترتاح أمه لهذه الإجابة، فهزت رأسها وقالت:
-    ربنا يا بني يوقف لك ولاد الحلال...إمال هو سامح برضو ملقاش شغل؟
-    لا أهو قاعد جنب والدته وممشين حالهم بالإيجار اللي بيجي من العمارة على معاش أبوه الله يرحمه...صحيح يا ماما ابقى اتصلي بأمه إسألي عليها أحسن كان قالها انها تعبانة واحتمال تعمل عملية قسطرة تاني...
-    ربنا يابني يشفيها...أكيد هكلمها إن شاء الله


قالت جملتها الأخيرة وقامت متجهة نحو المطبخ تاركة وراءها محمود الذي جلس ليعد الدقائق في انتظار اتصال سامح...


دق باب غرفة الرائد شريف الذي كان منهمكاُ في مراجعة أوراق أمامه، دخل مخبر وأدى التحية العسكرية
-    تمام سعادتك يا باشا...تم استدعاء سامح فريد البدري وموجود سعادتك بره...


وضع الرائد شريف الأورق وقال:
-    دخله علطول يلا ...


دخل سامح الغرفة وتوجه ببصره مباشرة للرائد شريف وقال:
-    السلام عليكم
-    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته...أستاذ سامح اتفضل


جلس سامح وهو يحاول أن يبدو طبيعياً قدر الإمكان ثم قال:
-    أنا سعادتك استدعوني بخصوص ...


قاطعه شريف مبتسماً:
-    منا عارف يا عم...منا اللي بعتلك ...عموماً إحنا مش هناخد من وقتك كتير...وطبعاً أنا عاوز أشكرك بصفة شخصية على تصرفك وإنك مقولتش أنا مالي وجيب بلغت علطول.
-    حضرتك ده شيء مش محتاج تشكرني عليه أنا اتصرفت ذي ما أي واحد تاني كان ممكن يتصرف...


هز شريف رأسه نفياً :
-    بيتهيألك ...بس على أي حال ده مش موضوعنا، شوف يا سيدي إحنا قدرنا نمسك واد من اللي خطفوا البنت وحابين نعرضه عليك علشان تتعرف عليه:
شعر سامح بالقلق يعلو داخله وهو يقول:
-    منا ذي مقولت في المحضر أول مرة...أنا مشفتش وش أي واحد فيهم لأن الدنيا كانت ضلمة.
-    مفهوم مفهوم...بس برضو خليك تشوفه برضو...مش يمكن تفتكر حاجة كنت ناسيها لما تشوفه...


ضغط الرائد شريف على زر على مكتبه فدخل نفس المخبر...
-    هاتللي الواد اللي اسمه كرمللة من الحجز...
ثم عاد لينظر لسامح وهو يقول:
-    شايف الرقة...البيه اسمه كرمللة...


نظر سامح لكرمللة نظرة سريعة ثم قال:
-    حضرتك مشفتوش قبل كده...دي أول مرة أشوفه
نظر له الرائد شريف وقد  عقد ذراعيه أمامه :
-    طب إتأكد بس كده شوية
-    أنا متأكد...أول مرة أشوفه


نظر الرائد شريف لكرمللة  الذي كان يتابع الحوار:
-    ماشي يا سي كرمللة...نجيب لك الضيف الثاني


هذه المرة كان الضيف هو صبي القهوجي الذي ما أن دخله حتى عرفه كرمللة مباشرة...
الرائد شريف:
-    هه يا بني ...شفت الواد قبل كده؟!
لم يحتاج الفتى أي وقت للرد وقال جازماً:
-    أيوه يا باشا ده واحد من الأربع عيال اللي كانوا في القهوة...


ما أن سمع سامح هذه العبارة حتى دق ناقوس خطر كبير في عقله، كان يتابع الحوار وهو يستشعر أن هناك أمور غابت عن علقه هو ومحمود عندما أقدموا على تقديم البلاغ...كان الرائد شريف يسأل الفتى ثانية:
-    يعني أنت متأكد أنه واحد من العيال دي؟
-    أيوه يا باشا متأكد؟
-    ومتأكد كمان أنهم كانو أربعة؟
-    أيوه تمام كده يا باشا...
-    طب استنى انت بره دلوقتي...


عاد الرائد شريف ببصره تجاه سامح ونظر إليه وقال:
-    أربعة...بيقول أربعة...وانت يا كرمللة قولت لي انتو كنتو كام؟


نظر كرمللة لسامح ثم عاد ينظر للرائد شريف:
-    منا قلت لسعادتك يا باشا الواد الرابع ده منعرفوش...ده بس جه معانا كده ومعرفش راح فين.


مرة ثانية استدعى الرائد شريف المخبر الذي أخذ كرمللة وخرج...
أمسك الرائد شريف بقلم أمامهواخذ يدون بعض الأشياء ثم سأل سامح فجأة:
-    أنت مش قلت في البلاغ انهم كانو تلاتة بس؟
نزل السؤال على سامح كالصاعقة إلا أنه رد بسرعة:
-    أيوه أنا قلت كده...
-    إمال إيه حكاية الرابع اللي بيقولوا عليه ده؟
-    أنا حضرتك أنا قلت اللي شفته...ومعرفش إذا كان فيه شخص رابع كان معاهم في العربية ولا لا...




ابتسم الرائد شريف لسامح وقال:
-    طب يا أستاذ سامح...إحنا متشكرين بس ممكن نحتاجك تاني
-    أنا تحت أمرك في أي وقت طبعاً...اسمح لي
-    اه طبعاً اتفضل


قبل أن يتحرك سامح دق الباب ودخل النقيب أسامة وهو يبتسم ابتسامة كبيرة وهو يقول:
-    حصل يا باشا...ومش هتصدق عصفورين في ضربة واحدة


نظر سامح للرائد شريف الذي اتسعت ابتسامته وهو يقول:
-    انت نورتنا يا أستاذ سامح


يتبع...





تعليقات

مدونة رائعة وجميلة شكرا لك وبارك الله فيك ....
‏قال شوارعي
شكراً لك على تشريفك وكلماتك الجميلة...أتطلع لتشجيعك وتعليقاتك مستقبلاً بإذن الله
مدونة ممتازة ورائعة بالتوفيق باذن الله..
‏قال شوارعي
جريدة مصر اليوم
تشرفت بالزيارة وشكراً على التعليق والإطراء...
تحياتي

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فانوس رمضان

لا يخرج إلا من العام إلى العام...يبقى منزوياً في ركن ما داخل البيت إلى أن يأتي ذلك الموعد الذي ينتظره بفارغ الصبر...يستبشر إذ يرى صاحبه آت إليه فيهيئه ويجهزة ليعود جميلاً متألقاً جديداً كما كان... ما أجملك يا فانوس رمضان... كل عام وأنتم جميعاً بخير

الصفحة المطوية: البداية...

الحلقة الأولى "الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا ، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات" لولا أنني عشت هذه القصة ورأيت كل أحداثها وتفاصيلها أو ربما يمكنكم أن تقولوا كنت أحد أبطالها، ما صدقت حرفاً منها! إذ أن ما بها يصعب تخيله أو التسليم بإمكانية حدوثه... بداية القصة لم تكن عندي، بل كانت هناك... من عنده...لعلكم تتساءلون عند من؟ الجواب في السطور القادمة... البداية...هو -           "أنا مش مصدق إنها اتخطبت...كده من غير مقدمات...طب إزاي وإمتى وفين؟" كانت المفاجأة أكبر من أي توقعات، فكيف بعد كل هذا الحب وهذه المشاعر ينتهي كل شيء فجأة هكذا بدون سابق انذار... -           "سامح...قولي إنك بتهزر...قولي إنك بتضحك عليه...قولي أي حاجة إنت ساكت ليه؟!" أمسكه سامح من يده وذهب به خارج القهوة في اتجاه الشارع، كان يمشي بخطوات متثاقلة ولم يبدي أي رد فعل بينما صديق عمره سامح يفتح باب السيارة ويدفعه ليجلس بالداخل... تحرك سامح بالسيارة وكان "هو" لا يزال صامتاً لا يت