التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كم أكره تلك الجريدة!



كم  أكره تلك الجريدة!
كم أكره اهتمامه بها وكأنني لم أعد موجودة...
               
ما أن يأتي ثم يغير ملابسه فنتناول طعام الغذاء الذي تتخلله بعض الجمل والأسئلة المعتادة عن حالي وما فعلت اليوم وكذلك حال مذاكرة الأولاد... وينتهي كل شيء...أنتهي أنا من حياته بينما يجلس غارقاً في صفحات تلك الجريدة المقيتة وأنا أمامه أجلس وأنظر لكوب الشاي الذي تركه يبرد...هو يحب شرب الشاي بارداً.


هو لم يكن قبلاً هكذا...كان رقيقاً رومنسياً حالماً...لا يمل من إسماعي بعبارات الحب والغرام...ولا تمل إذناي من همساته وتدغدغ مشاعري بدفء أنفاسه...

لا أتذكر منذ متى بدأ التغير...لعله مع مجيء طفلنا الثاني...بدأ ينسحب من الوجود شيئاً فشيئاً...وقتها لم أنتبه لذلك، بل وعلى العكس لربما أراحني ذلك الانسحاب بشكل ما، فلقد كان أطفالي يأخذون أغلب وقتي ثم أجدني في حاجة لبعض الراحة والهدوء، هو لم يبدي أبداً تذمره من ذلك بل على العكس، كان يساعدني في شؤون البيت بقدر ما يسمح له وقته وكذلك طاقته بعد يوم من العمل والإرهاق خارج المنزل...

ثم يمسك الجريدة...كنت أحب أن أسمع منه بعض ما يقرأ من أخبار، ثم بعد ذلك كففت عن ذلك بسبب الصداع الذي كان يلازمني بعد تعب اليوم مع الأولاد...

ثم جاءت الإبنة الثالثة على حين غفلة وزاد انشغالي وزاد انسحابه وتواريه بعيداً...هنا كنت بدأت أشعر بافتقادي له...لكن كذلك كان الأمر لا يزال يمثل لي بعض من الراحة...

لكنني الآن حقاً سئمت...لم أعد أقوى على الاستمرار، لا أدري من منا المخطئ لكن ما يعنيني الآن هو كيف الخروج من هذا الجمود...ربما إن أخفيت الجريدة بينما يغير ملابسه لا يجد أمامه غيري فيجلس يحادثني قليلاً...نعم ربما تصلح هذه الخطة...

"يا الله شوفتي اللي حصل...واحد رمى مراته من البلكونة بسبب مصروف البيت...أكيد كانت قرفاه"

قال جملته وهو لازال يقرأ الجريدة وأنا...أنا تلعثمت قليلاً لا أدري لماذا...لعلني خفت أن أكون مثل هذه الزوجة التعيسة، وأخيراً همهمت بكلمات أنا نفسي لم أفهمها وهو لم يهتم بسؤالي ماذا قلت...!

سحبتني أفكاري مرة ثانية لبحرها المتلاطم الغاضب الثائر...أنا لا أريده كزوج وحبيب فقط...أنا أريده كصديق يسمعني ...أنا أشعر بوجودي في عينيه بينما يجلس يسمع ثرثراتي أو حتى هذياني...المهم أن يسمعني
"الوووووووووووووووووووو ...انت يا بني آدم ياللي قاعد...سيب الزفتة اللي في إيدك دي وبص لي شوية"
هذا ما كنت أصرخ به داخلي ولكنني لم أقوى أن أقوله...كانت قصة الزوجة الطائرة من البلكونة لازالت في مخيلتي...

فجأة وضع الجريدة جانباً وقام من مكانه خارجاً من الغرفة...لم أحر بالاً في وجهته إذ سمعت صوت "دربكة" في المطبخ فعلمت أنه يبحث عن شيء يأكله...
"حبيبتي إحنا مش هنتعشى ولا إيه...عاوز أتعشى علشان عندي شغل مهم بكره"...جاءني صوته من المطبخ
 شيء داخلي منعني من الرد والاكتفاء في تقليب قنوات التلفزيون كأنني لم أسمع ما قاله...وكأن هذه طريقتي في إعلان الاحتجاج والرفض لما يحدث...
"حبيبتي مش سمعاني"...
جاوبه صمتي مرة ثانية...
سمعت أقدامه آتية من المطبخ ووقف أمامي وسألني مستغرباً "إنتي مش سمعاني ولا إيه؟!"
نظرت له وابتسمت في استفزاز وهززت رأسي بالنفي...ثم ببساطة رفعت مستوى صوت التلفزيون ليعلو فوق صوته بينما يقول - فيما يبدو- "هو في إيه بالظبط؟"


تركته يكمل كلامه واتجهت للبلكونة أستنشق بعض الهواء وأملأ به صدري...تذكرت قصة الزوجة إياها لكن لم يهمني أنني أقف في البلكونة مهيئة للعب دور عباسة بنت فرناس، لم يعد يهمني ماذا سيحدث...

كان صوت التلفزيون قد اختفى ومرت دقائق دون أن يظهر زوجي أو أسمع صوته ، الأمر الذي أصابني بالحيرة والفضول الشديد...ترى ماذا يفعل؟ هل يمكن أن يكون عاد لقراءة الجريدة...
"دي تبقى مصيبة لو محسش بيه" ...هكذا قلت لنفسي...أو ربما غضب مني وقرر النوم...جوعان!
زفرت بقوة بينما أنظر إلى السماء...كانت النجوم مبعثرة في نحو بديع والهواء عليل ويريح الأعصاب...
جلست على الكرسي الهزاز الذي كان اشتراه زوجي مؤخراً ووضعه في البلكون قائلاً..."يا سلام قراءة الجرايد هتبقى أخر دماغ"!
أغمضت عيني في هدوء مستمتعة بلحظات الصمت من حولي ولا أدري كم مر من الوقت قبل أن اشعر بصوت زوجي يهمس...
"حبيبتي...متعرفيش جرنال إمبارح فين...أصلي مش لاقيه"


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فانوس رمضان

لا يخرج إلا من العام إلى العام...يبقى منزوياً في ركن ما داخل البيت إلى أن يأتي ذلك الموعد الذي ينتظره بفارغ الصبر...يستبشر إذ يرى صاحبه آت إليه فيهيئه ويجهزة ليعود جميلاً متألقاً جديداً كما كان... ما أجملك يا فانوس رمضان... كل عام وأنتم جميعاً بخير

الصفحة المطوية : الحلقة السادسة... صيد العصافير

 الصفحة المطوية : الحلقة السادسة صيد العصافير! "الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا ، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات" لم يبدو على تلك الغرفة أن الشمس أو الهواء النظيف قد دخلاها من قبل، ناهيك عن الرائحة التي توحي إليك أن ذلك الكائن الملقى على سريره مجرد جثة هامدة...ولولا صوت أنفاسه التي كانت توحي أنه يعاني كابوس ثقيل جاثم على صدره بينما وجه يتصبب عرقاً... فجأة صوت خبط عنيف وسريع على الباب....قام ذلك الكائن الذي لم تظهر ملامحه بسبب الظلام مفزوعاً وتسمر في مكانه ولم يتحرك... علا صوت الخبط أكثر مع صوت أجش يصرخ من الخارج: -    افتح الباب! قبل أن يفكر في أي حركة كان الباب ينكسر ويدخل مجموعة من الأشخاص الذين اندفعوا نحو هذا الكائن الذي علا صراخه: -    سيبوني ..سيبوني ...أنا معملتش حاجة ...سيبوني... وفجأة...

الصفحة المطوية: البداية...

الحلقة الأولى "الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا ، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات" لولا أنني عشت هذه القصة ورأيت كل أحداثها وتفاصيلها أو ربما يمكنكم أن تقولوا كنت أحد أبطالها، ما صدقت حرفاً منها! إذ أن ما بها يصعب تخيله أو التسليم بإمكانية حدوثه... بداية القصة لم تكن عندي، بل كانت هناك... من عنده...لعلكم تتساءلون عند من؟ الجواب في السطور القادمة... البداية...هو -           "أنا مش مصدق إنها اتخطبت...كده من غير مقدمات...طب إزاي وإمتى وفين؟" كانت المفاجأة أكبر من أي توقعات، فكيف بعد كل هذا الحب وهذه المشاعر ينتهي كل شيء فجأة هكذا بدون سابق انذار... -           "سامح...قولي إنك بتهزر...قولي إنك بتضحك عليه...قولي أي حاجة إنت ساكت ليه؟!" أمسكه سامح من يده وذهب به خارج القهوة في اتجاه الشارع، كان يمشي بخطوات متثاقلة ولم يبدي أي رد فعل بينما صديق عمره سامح يفتح باب السيارة ويدفعه ليجلس بالداخل... تحرك سامح بالسيارة وكان "هو" لا يزال صامتاً لا يت