التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الصفحة المطوية: البداية...

الحلقة الأولى


"الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات"

لولا أنني عشت هذه القصة ورأيت كل أحداثها وتفاصيلها أو ربما يمكنكم أن تقولوا كنت أحد أبطالها، ما صدقت حرفاً منها! إذ أن ما بها يصعب تخيله أو التسليم بإمكانية حدوثه...

بداية القصة لم تكن عندي، بل كانت هناك... من عنده...لعلكم تتساءلون عند من؟ الجواب في السطور القادمة...

البداية...هو
-          "أنا مش مصدق إنها اتخطبت...كده من غير مقدمات...طب إزاي وإمتى وفين؟"
كانت المفاجأة أكبر من أي توقعات، فكيف بعد كل هذا الحب وهذه المشاعر ينتهي كل شيء فجأة هكذا بدون سابق انذار...

-          "سامح...قولي إنك بتهزر...قولي إنك بتضحك عليه...قولي أي حاجة إنت ساكت ليه؟!"
أمسكه سامح من يده وذهب به خارج القهوة في اتجاه الشارع، كان يمشي بخطوات متثاقلة ولم يبدي أي رد فعل بينما صديق عمره سامح يفتح باب السيارة ويدفعه ليجلس بالداخل...

تحرك سامح بالسيارة وكان "هو" لا يزال صامتاً لا يتكلم وعيناه تنظر للاشيء أمامه ودمعة متحجرة هامدة بلا حراك على وجهه وكأنها هي كذلك أصابتها نفس الصدمة التي أصابته...

وصل سامح لطريق الكورنيش وأوقف السيارة ونظر لصديقه وتنهد تنهيدة كبيرة ثم قال
-          انزل تعالى نشم شوية هوا
بنفس الاستسلام خرج من السيارة ومشى مع صديقه حتى وقفا على الرمال، كان الصمت يغلف كل شيء حوله باستثناء صوت أمواج البحر التي كانت تتداعب رمال الشاطئ في نعومة ونسمة هواء خفيفة تعبث بخصلة شعره التي تركت أخواتها وارتاحت على جبينه...
-          "محمود أنا عارف إنك مصدوم بس هي دي الحقيقة...أنا لسه جاي من عند علي ...هو ساكن في نفس العمارة ذي مانت عارف وأنا خارج سمعت صوت زغاريد خارجة من شقتهم... ولما سألت علي... قالي إنها اتخطبت لابن عمها اللي كان مسافر وراجع يتجوز وهياخدها معاه"
انتظر سامح قليلاً ليرى أثر كلماته على صاحبه الذي لم يظهر أنه يسمعه وعيناه لازالت تنظر أمامه في شرود أو بدا وكأنه يحاول أن يخترق ظلمة البحر باحثاً عن شيء ما...
استمر سامح قائلاً:
-          محمود أنا أكتر واحد عارف إنت كنت بتحبها قد إيه...وكمان أنا أكتر واحد تهمني مصلحتك...عشان كده بقولك مينفش اللي أنت عامله ده...أياً كانت الحقيقة صعبة ومرة بس لازم نعيشها أو نتعايش معاها، وموضوع ابن عمها ده مش أول مرة تسمع عنه ...كام مرت حكت لك عنه وقد ايه هو معاه فلوس وأهلها بيلحوا عليها علشان  توافق تتجوزه...وانت ظروفك أدينا عارفينها يعني الظروف كلها كانت...
-          "سبني يا سامح وامشي لو سمحت"
أخيراً نطق محمود مقاطعاً صديقه، كان صوته خارج وكأنه من بئر سحيق وعيناه كما هي ... جامدة شاخصة للأمام
شعر سامح بأنه تسرع في كلماته أكثر مما ينبغي فقال محاولاً تخفيف وقعها:
-          محمود أنا ...
تعثرت الكلمات على لسانه ولم يدري ماذا يقول لكنه كان يعرف صاحبه جيداً ويعرف أنه لا يحب أن يظهر ضعيفاً أمام أي شخص فلم يجد إلا أن يقول:
-          طب أنا هستناك في العربية وانت خليـ...
مرة ثانية قاطعه محمود:
-           سامح عاوز أكون لوحدي لو سمحت...متقلقش عليه أنا هبقى أروح لوحدي
-          طب تحب أرجعلك بعد شوية أو ممكن تبقى تتصل عليه أجي أخدك
التفت محمود لصاحبه قائلاً بنظرة حاول أن يجعلها لا تعكس لهيب النار في داخله لكن سخونتها كانت تجعل العرق واضح على جبينه رغم برودة ليل الشتاء في هذا الوقت من العام ورغم نسمات البحر الباردة
-          متقلقش ...أنا كويس يلا روح انت دلوقتي...
-          طيب أنا هكون في البيت لو احتاجت شيء اتصل عليه
-          ماشي ...يلا سلام
لم ينتظر رد سامح وسار محازيا لمياه البحر مبتعداً وصاحبه يراقبه في حزن ممزوج بالقلق وأخيراً تنهد في قوة وعاد لسيارته وانصرف...

كم كان عدد الخطوات التي مشيتها في تلك الليلة ...لا أعلم، أعلم فقط انني سرت لمسافة طويلة بدون أن أشعر بالتعب، كانت قدماي تسيران بي بدون غاية وكأنما فقط بوصلة اتجاهاتي أو كأن جميع الاتجاهات صارت متشابه أمامي...
وأخيراً انتهى بي الطريق إلى قهوة صغيرة في ركن معزول على شاطئ البحر، لا أدري ما الذي دفعني للذهاب هناك، وليتني ما فعلت، فلو كنت أعلم أن هذا المكان سيكون بداية رحلة المعاناة والألم ما فعلت قط  ولو دفعوا لي كنوز الدنيا...

كانوا هناك يجلسون، مجموعة من الشباب بدا عليهم  كيف أن أيامهم بها الكثير والكثير من الضياع، رائحة دخان سجائرهم كانت غريبة علي ويبدو أن نظراتي لهم جذبت انتباه أحدهم، فرأيته يميل باتجاه صاحبه ويهمس في اذنه بشء لم أتبينه، لكنني فهمت عندما رأيته ينظر إلي ثم يقوم ويأتي في اتجاهي.
شعرت ببعض الارتباك قليلاً عندمت وجدته يسألني مباشرة:
-          في حاجة؟
تلعثمت...
-          نعم؟!
كرر سؤاله بلهجة أكثر هجومية...
-          بقولك انت في حاجة؟
أجبت بسرعة...
-          لا أبداً مفيش...
-          أصلك يعني عمال تبص لنا من فوق لتحت ذي متكون مش شايف بني آدمين أو مش عجبينك يعني
-          لا أبداً أنا بس سجايري خلصت وكنت بفكر أطلب منكم سيجارة
ما هذا الذي قلته؟! أنا حتى لا أدخن فكيف أقول هذا الكلام، ربما لأنني أردت أن أثبت له أنني مثلهم بشكل ما...
نظرلي مستغرباً ثم قال بسخرية...
-          كل ده علشان عاوز سيجارة، ودي محتاجة كل التسبيل ده، ده أنا فكرتك معجب بحد فينا ولا حاجة، عموماً تعالى يا عم وأنا هديلك أحلى سيجارة...
قلت متراجعاً...
-          لا لا خلاص شكراُ أنا خلاص ماشي.
رد مصراً
-          تمشي فين يا عم، تعالى بس ده أنا هعملك دماغ مستكيفة أخر حلاوة
وجدته يجذبني من ذراعي ولم أجد إلا أن أقوم معه ثم أجلس وسطهم، كانت الأعين تتفحصني كأنني كائن من كوكب غير كوكبنا...
-          بص بقى قبل أي حاجة دي سيجارتك يا سيدي، عشان تعرف إننا جدعان وذوق
نظرت فوجدته يمد لي يده بالسيجارة وقد اشعلها ودخانها يكاد يخنقني، مددت يدي وأخذت السيجارة في تردد
-          شد بقى جامد وادعيللي...أيوه كده
كنت أشعر أن صدري يكاد يحترق مع أول نفس لهذه السيجارة التي بدت غير طبيعية
-          شوف بقى أنا سعيد وده سيد وده كريم كرمللة أما ده بقى أعلى دماغ وسطينا سمير وشهرته شبورة لأنه لما بيشد بيبقى كأنه قاعد وسط شبورة
انفجروا جميعاً في الضحك، كانت أصواتهم تتردد في أذني بشكل غريب ويبدو أن هذه السيجارة هي السبب، لكنني رغم كل شيء استمررت في ملأ صدري بدخانها رغم كل ما أعانيه، فلقد كنت أشعر وكأن غيامة تطفو في سماء عقلي فتجعلني أنسى ما أنا فيه...
-          إحكي لنا بقى يا...ألا صحيح إنت اسمك ايه؟
-          محمود
قلت وأنا أسعل بشدة من أثر لهيب دخان السيجارة في رئتاي
-          بالراحة إمال يا عم...إنت شكل مستجد ولا إيه؟ قولي بقى إيه حكايتك ومالك كده شكلك شايل طاجن ستك والهم معشش في عيونك
لم أكن أدري أني شكلي يفضحني بهذه الصورة، إلا أنني كنت أشعر برغبة في الكلام، ولو مع أي شخص...
-          أبداً...أصلها اتخطبت النهارده
التفتوا جميعاً إلي، كانت الدهشة تعلو ملامحهم ثم فجأةً علت ضحكاتهم بشكل غريب وهستيري...
-          طب وانت سبت الفرح وجيت هنا ليه؟
كان صوت سمير شبورة مبحوح وكأن صوت فحيح أفعى يصاحبه، استمر الجميع في الضحك بعد تعليق شبورة الذي ضربني بقوة على كتفي ممازحاً ...
نظر لي سيد وهو يضحك ثم قال:
-          متضحك يا عم في إيه؟ إيه يعني اتخطبت عقبال الليلة الكبيرة يا سيدي
سعيد:
-          يمكن رايح يشتري حاجة ساقعة يا عبيط
لم يقل كريم كرمللة شيء وإن اكتفى بالضحك المستمر وهو يشير إلي بإصبعه، لم اقل شيئأ إلا أنني قمت من مكاني تارك إياهم إلا أني شبورة جذبني قائلاً:
-          يا عم طول بالك إمال،إحنا بنهرز معاك عشان نفرفشك مش أحسن متطق ويجرى لك حاجة، ومن غير متحكي إحنا فهمنا في إيه...خلاص عادي يعني بتحصل كل يوم، كبر دماغك ده الحريم أكتر من الهم على القلب...خد خد السيجارة دي وانت هتروق
لم أكن أفهم ما الذي يدفعني للمرة الثانية أن أخذ السيجارة منه وأعيد اللهيب إلى صدري لكن هذه المرة كان أقل حدة، عدت للجلوس في صمت...
-          وله يا مسعد هات إزازة مشبرة لمحمود بيه
علا صوت شبورة منادياً على الواد مسعد الذي بدا أنه صبي القهوجي الذي جاء بزجاجة بيرة باردة ووضعها أمامي قائلاَ:
-          أي خدعة يا محمود بيه ونورت قهوتنا يا باشا
كرمللة تحذ أخيراً وهو يعدل نظارته الطبية على عينيه
-          اشرب بقى كده وانت هتبقى عال...
سعيد:
-          أيوه وبعد متشرب ليك عندي يا عم مفاجأة هتخليك تطلع كل الغل اللي جواك
قالها ثم نظر إليهم وانفجروا ثانياً في الضحك...هذه المرة ضحكت معهم رغم أنني لم أجد سبباً للضحك ولكنني ضحكت، وضحكت بقوة وكأنني أبكي بحرقة لا أضحك
قاموا جميعاً فجاة، ثم نظر لي سعيد وقال:
-          يلا يا عم ده موعد المفاجأة
كنت أقاوم زياة كثافة تلك الغيامة التي صارت تملأ عقلي وعيني ثم سألته:
-          مفاجأة إيه؟

أمسكني كرمللة من ذارعي قائلاً:
-          لا إمال تبقى مفاجأة إزاي...يلا بينا بس وانت هتشوف كل بعنيك

كنت أشعر بالبرد رغم سخونة دخان السيجارة الثالثة الذي أعطاني إياها شبورة بينما أقف معهم في منطقة هادئة من ضواحي العجمي في هذه الساعة المتأخرة من الليل، كنت أسمعهم يهمسون بكلمات لما أفهمها إلا انني سمعت شبورة يقول:
-          أنا عارف إنها هترجع متأخرة أنا سمعتها بتقول كده وهي بتتكلم في الموبايل!
لم يكد يتم جملته حتى لا ح بعيداً ضوء مصابيح سيارة آتية فتحرك سعيد سريعاً للسيارة التي كنا أتينا بها وركبها وجلس ينتظر، وما أن اقتربت السايرة أكتر حتى تحرك سعيد بشكل مفاجئ وسد الطريق، وعلا صوت فرامل السيارة الآتية وتوقفت على بعد أمتار من سيارة سعيد الذي خرج مسرعاً في اتجاها وهو يشير بيده لنا قائلاً:
-          يلا بسرعة...
ركضوا جميعاً في اتجاه السيارة، كانت خطواتي متثاقلة وأشعر أن الأرض تتأرجح من تحتي لكنني رأيتهم يفتحون باب قائد تلك السيارة ويخرجون فتاة مذعورة منها ويجرون بها في اتجاه سيارة سعيد ثم يدفعوها بالداخل ويدخلوا جميعاً ثم تحركت السيارة مبتعدة في سرعة مخلفة وراءها سحابات من الغبار ورأيتها تختفي بعيداً...
نظرت حولي مذهولاً لا أدري ماذا أفعل وفجأة رن هاتف الموبايل، كان سامح...أجبت مسرعاً
-          سامح تعالى لي دلوقتي حالاً...

تتبع...

تعليقات

‏قال Unknown
جميلة ومستنيين الجزء الثاني
بداية قوية و موفقة . فى انتظار باقى القصة
‏قال أبوجاسر
يلا يا عمرو بقى عرفناايه اللى هيحصل ده بس الصراحه الله ينور
‏قال شوارعي
إمرأة الميزان
أول تعليق على أول قصة له تأثير ووقع جميل أشكرك على المبادرة

أخر أيام الخريف تشجيعك محفز قوي للاستمرار أشكرك

أخويا وحبيبي أبو جاسر
أشكرك على كلامك الجميل وقريب إن شاء الله تعرف اللي هيحصل :)
‏قال سَارةٌ
رائعه القصه بكل المعاني ..

وحبكة النهاية دي برده هنعديها .. ولو اني كنت عاوزه اعرف هيعمل بوليس ويروح وراهم ولا ايه ؟

اممممممم .. القصه بدايتها عجبتني جداً

متابعه اكيد .. :)

ومبروووووووك عالمدونه الجديده :)
‏قال شوارعي
أنا سعيد بانضمامك للمدونة الجديدة والدعم المستمر بجد شيء يفرح وبشكرك عليه ذي مبشكر كل اللي اشتركوا وعلقوا هنا وبيشجعوني على الاستمرار

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فانوس رمضان

لا يخرج إلا من العام إلى العام...يبقى منزوياً في ركن ما داخل البيت إلى أن يأتي ذلك الموعد الذي ينتظره بفارغ الصبر...يستبشر إذ يرى صاحبه آت إليه فيهيئه ويجهزة ليعود جميلاً متألقاً جديداً كما كان... ما أجملك يا فانوس رمضان... كل عام وأنتم جميعاً بخير

الصفحة المطوية : الحلقة السادسة... صيد العصافير

 الصفحة المطوية : الحلقة السادسة صيد العصافير! "الصفحة المطوية قصة مسلسلة على حلقات على صفحات هذه المدونة، ويمكن الوصول لجميع الحلقات من هنا ، كذلك يسعدني تلقي أي استفسار أو تعليقات" لم يبدو على تلك الغرفة أن الشمس أو الهواء النظيف قد دخلاها من قبل، ناهيك عن الرائحة التي توحي إليك أن ذلك الكائن الملقى على سريره مجرد جثة هامدة...ولولا صوت أنفاسه التي كانت توحي أنه يعاني كابوس ثقيل جاثم على صدره بينما وجه يتصبب عرقاً... فجأة صوت خبط عنيف وسريع على الباب....قام ذلك الكائن الذي لم تظهر ملامحه بسبب الظلام مفزوعاً وتسمر في مكانه ولم يتحرك... علا صوت الخبط أكثر مع صوت أجش يصرخ من الخارج: -    افتح الباب! قبل أن يفكر في أي حركة كان الباب ينكسر ويدخل مجموعة من الأشخاص الذين اندفعوا نحو هذا الكائن الذي علا صراخه: -    سيبوني ..سيبوني ...أنا معملتش حاجة ...سيبوني... وفجأة...